ظواهر فلكية ومعالم كونية
الخسوف والكسوف ظاهرتان فلكيتان تحدثان وفقا لسنن الحركات الفلكية السماوية وبسبب المواقع النسبية للأجرام الرئيسية الثلاثة: الشمس والقمر والأرض إذ يخسف القمر عندما يحتجب كله أو جزء منه بوقوع ظل الأرض عليه التي تكون بينه وبين الشمس على استقامة واحدة فتحتجب الأرض ضوء الشمس عن القمر . ويسمى الاحتجاب الكلي " خسوفا كليا " Total Lunar Eclipse .
أشكال الخسوف
وتكسف الشمس عندما يقع ظل القمر على الأرض إذ يكون القمر بين الأرض والشمس وتكون مراكز هذه الأجرام الثلاثة على خط مستقيم .ويمكن أن تحتجب الشمس خلف القمر كليا حينما تكون المسافة بين الأرض والقمر مناسبة لكي يغطي قرص القمر قرص الشمس كله ويسمى هذا كسوفا كليا Total Solar Eclipse .
أما إذا احتجب جزء من قرص الشمس خلف القمر فعندئذ يكون الكسوف كسوفا جزئيا Partial Solar Eclipse . والكسوف الجزئي على نوعين لا ثالث لهما :
الأول : هو احتجاب قرص الشمس بجزئه الأعظم خلف قرص القمر حتى لا يظهر من الشمس إلا حلقة مضيئة تتوسطها بقعة سوداء ويسمى هذا النوع " الكسوف الحلقي "Annual Eclipse .
الكسوف الكلي
الكسوف الجزئـــــي
الكسوف الحلقي
أسباب الكسوف والخسوف وشروطها :
يدور القمر حول الأرض في مدار يميل بزاوية مقدارها 5 درجات على مستوى الدائرة الكسوفية ( مدار الأرض حول الشمس ) . مما يعني أن مدار القمر يقطع مستوى الدائرة الكسوفية كل شهر قمري مرتين في موضعين متقابلين على المدار يسميان العقدتان Nodes ويسمى الموضع الذي يتقاطع عنده مدار القمر وهو صاعد [العقد الصاعدة] Ascending Node والموضع الذي يتقاطع عنده مدار القمر وهو نازل [ العقدة النازلة] Descending Node .
ولو كان مدار القمر واقعا عند مستوى الدائرة الكسوفية نفسه لحصل خسوف منتصف كل شهر قمري حين يكون القمر بدرا ولحصل كسوف نهاية كل شهر قمري بالضرورة . إلا أن ميلان مدار القمر بخمس درجات يجعل ظله لا يسقط على سطح الأرض إلا حين يكون في العقدة الصاعدة أو العقدة النازلة أو قريبا منهما . وكذلك القول بشأن ظل الأرض فلا يسقط على القمر إلا حين يكون في هذه المواضع .
إن ظل القمر الواقع على الأرض يشكل مخروطا قاعدته هي قرص القمر ورأسه عند سطح الأرض . فإذا كانت المسافة بين القمر والأرض على أصغرها تقاطع ظل مخروط الظل مع سطح الأرض الكروي مشكلا بقعة مظلمة بيضوية الشكل يتناسب قطرها عكسيا مع بعد القمر عن الأرض . والراصد الواقف ضمن هذه المساحة البيضوية يرى الشمس منكسفة كسوف كلي وتتحرك هذه المساحة البيضوية المظلمة من الغرب إلى الشرق على مسار يسمى مسار الكسوف الكلي Path of Totality ويسرعة تتناسب مع محصلة سرعة دوران الأرض حول نفسها وسرعة دوران القمر حول الأرض وهذه المحصلة هي بحدود 2000 كيلو متر في الساعة.ولذلك تتغير مساحة الظل بحسب أوقات الكسوف فهي عادة تبدأ صغيرة ثم تكبر حتى تصل حدا أعظم تتقلص بعده بالتدريج حتى تتلاشى . إن هذا الوصف ينطبق على " الكسوف الكلي" .
أما بالنسبة لحالة "الكسوف الحلقي " فإنه يحصل عندما تكون مراكز الأجرام الثلاثة الشمس القمر والأرض عل خط مستقيم لكن المسافة بين الأرض والقمر هي بمقدار يجعل رأس مخروط ظل القمر لا يصل سطح الأرض لذلك يظهر احتجاب الشمس حلقيا ويسمى ذلك "كسوفا حلقيا" .
أما المناطق التي تقع في شبه الظل فإنها ترى الشمس منكسفة كسوفا جزئيا .. وتمتد منطقة شبه الظل لمسافات كبيرة تتقلص معها نسبة الكسوف .
الخسوف القمري
الكسوف الشمسي
حسابات الكسوف والخسوف :
إن الحسابات الدقيقة لمواقيت الخسوف والكسوف ومواضع رؤية الكسوف على الأرض هي في العادة حسابات صعبة تقتضي دراية رياضية على قدر عال من المعرفة في حسابات الميكانيك السماوي Celestial Machanics . إلا أن بإمكاننا تكوين معرفة عامة عن دورات الخسوف والكسوف وأوقات حصولهما . وهذا اللون من المعرفة هو ما كان البابليون والمصريون القدماء قد توصلوا إليه بالمراقبة المستمرة للسماء ورصد مواقع الشمس والقمر فيها .
إن مواضع العقدتين الصاعدة والنازلة غير ثابتة بل تتحرك على الدائرة الكسوفية باتجاه معاكس لاتجاه حركة الشمس وبمعدل 19 درجة لكل سنة شمسية بالتقريب . مما يعني أن العقدتين تعودان إلى الموقعين نفسيهما على الدائرة الكسوفية كل 18.6 سنة شمسية . ولما كانت الشمس متحركة على الدائرة الكسوفية باتجاه معاكس بمعدل درجة واحدة في اليوم فإن هذا مؤداه أن يحصل الاقتران بين الشمس والقمر وهو في واحدة من العقدتين في مدة أمدها
365 – 19 = 346 يوما وتسمى هذه الفترة السنة الكسوفية Eclipse Year وخلالها نتوقع حصول خسوفين للقمر على الأقل . ولربما ثلاث خسوف للقمر في سنة شمسية كاملة .
قلنا آنفا أن ظل القمر الواقع على سطح الأرض الكروي يشكل بقعة مظلمة بيضوية تعتمد مساحتها على المسافة بين الأرض و القمر فهذه المسافة متغيرة كما هو معلوم وفي حده الأعظم يبلغ قطر البقعة المظلمة 270 كيلو متر . ولما كانت سرعة حركة ظل القمر على الأرض تبلغ بحدود 2100 كيلو متر في الساعة[ أي 35كيلو متر في الدقيقة] فإن المسافة البالغة 270 كيلو متر تقطع خلال مدة 7.7 دقيقة فقط . ولهذا السبب بعينه لا تدوم فترة الكسوف الكلي أكثر من هذه المدة أبدا .
الظواهر الخاصة المرافقة لكسوف الشمس :
إن ظاهرة الكسوف الكلي للشمس تضع الراصد في حالة نفسية خاصة جدا . عندما تقترب اللحظة التي يغطي فيها القمر قرص الشمس المتوهج فيخيم الظلام سريعا على الأرض ويمكن للراصد الواقف على مكان مرتفع أن يشاهد شريط الظلام الزاحف نحوه من جهة الغرب ويستطيع أن يشاهد إن كان واقفا في أرض تشتمل على مجموعة من التلال كيف يغمر الظلام الوديان أولا ثم يرتفع سريعا ليغمر القمم حتى وكأنه طوفان عام صار يملأ الأمكنة . وعند لحظة الاحتجاب الكلي يرى الناظر إلى قرص الشمس " باستخدام مرشحات بصرية خاصة" " [[ حلقة ماسية ]] Diamond Ring تلمع في أحد أطرافها لفترة قصيرة جدا وحين يخيم الظلام على الأرض يرى ظلال الأشياء حادة بصورة غير اعتيادية وتصبح أشكال تلك الظلال غريبة ذات رهبة خاصة . وتظهر على الأرض خطوط متعرجة سببها مرور ضوء الشمس بين ثنايا تضاريس القمر ولو كان القمر كرة ملساء لما ظهرت هذه الخطوط وبعد احتجاب الشمس كليا تظهر "الهالة الشمسية" كبقعة رمادية/بنفسجية غير منتظمة تحيط بقرص الشمس.
الحلقة الماسية أو الخاتم الماسي …
الدورة الاقترانية للشمس والقمر :
لوحظ أن جملة من كسوف الشمس تتكرر على سطح الأرض كل 18 سنة شمسية و 11 يوما وثلث يوم . وهذا يعدل بالتقريب 19 سنة كسوفية إلا نصف يوم تقريبا . وسمى البابليون هذا (( دورة الساروس )) . ولذلك تتكرر حوادث الكسوف على خطوط العرض نفسها ولكن بفارق قدره 120 درجة على خطوط الطول . وهذا الفرق سببه فضل ثلث يوم ففيه تدور الأرض ثلث دورة . وبذلك يمكن القول أن حوادث الكسوف تتكرر على المواضع نفسها من الأرض كل 54 سنة بالتقريب .
حساب مواقيت الكسوف والخسوف :
كان القدماء منذ عصر البابليين الأوائل قد تمكنوا من معرفة أوقات حصول ظواهر الخسوف والكسوف بشكل تقريبي عن طريق حسابات الدور وكان هذا يعرف أيضا باسم القرانات وقد أوردت الجداول البابلية إشارات إلى توقعات لمواقيت الكسوف والخسوف في تقاويمهم الفلكية التي كانت تصدر قبلا لمدة عامين ( أو أكثر أحيانا ) مقدما . ولكنهم لم يكونوا يغرفوا ساعة حصول هذه الظواهر على وجه الدقة ( ولا مكان حصولهما بالنسبة لحوادث الكسوف) . لكننا الآن وبفضل علوم الميكانيك السماوي وتقدم التقنيات الحاسوبية أصبحنا قادرين بحمد الله على حساب أماكن ونوع الخسوف أو الكسوف المتوقع وحساب أبعاد مسار الكسوف الكلي والجزئي بدقة عالية تصل إلى بضعة أمتار وهذا ما يثبت عادة في التقاويم الفلكية الحديثة التي تصدرها الهيئات العالمية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق